فصل: الْجِهَادُ مَعَ هَؤُلَاءِ الْوُلَاةِ:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: المدونة (نسخة منقحة)



.كِتَابُ الْجِهَادِ:

.الدَّعْوَةُ قَبْلَ الْقِتَالِ:

قُلْت لِعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْقَاسِمِ: هَلْ كَانَ مَالِكٌ يَأْمُرُ بِالدَّعْوَةِ قَبْلَ الْقِتَالِ؟
قَالَ: نَعَمْ كَانَ يَقُولُ لَا أَرَى أَنْ يُقَاتَلَ الْمُشْرِكُونَ حَتَّى يُدْعَوْا.
قُلْت: وَلَا يَبِيتُونَ حَتَّى يُدْعَوْا؟
قَالَ: نَعَمْ، قُلْت: وَسَوَاءٌ إنْ غَزَوْنَاهُمْ نَحْنُ أَوْ أَقْبَلُوا هُمْ إلَيْنَا غُزَاةً فَدَخَلُوا بِلَادَنَا، لَا نُقَاتِلُهُمْ نَحْنُ فِي قَوْلِ مَالِكٍ حَتَّى نَدْعُوهُمْ؟
قَالَ: قَدْ أَخْبَرْتُك بِقَوْلِ مَالِكٍ وَلَمْ أَسْأَلْهُ عَنْ هَذَا وَهَذَا كُلُّهُ سَوَاءٌ عِنْدِي.
قُلْت: وَكَيْفَ الدَّعْوَةُ فِي قَوْلِ مَالِكٍ؟
قَالَ: لَمْ أَسْمَعْ مِنْ مَالِكٍ فِيهَا شَيْئًا، وَلَكِنْ نَدْعُوهُمْ إلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ فَيُسَلِّمُوا أَوْ يُعْطُوا الْجِزْيَةَ، وَذُكِرَ عَنْ مَالِكٍ أَيْضًا أَمَّا مَنْ قَارَبَ الدَّوَابِّ فَالدَّعْوَةُ مَطْرُوحَةٌ عَنْهُمْ لِعِلْمِهِمْ بِمَا يُدْعَوْنَ إلَيْهِ وَمَا هُمْ عَلَيْهِ مِنْ الْبُغْضِ وَالْعَدَاوَةِ لِلدِّينِ وَأَهْلِهِ مِنْ طُولِ مُعَارَضَتِهِمْ لِلْجُيُوشِ وَمُحَارَبَتِهِمْ لَهُمْ، فَلْتُطْلَبْ غِرَّتُهُمْ وَلَا يُحْدِثُ لَهُمْ الدَّعْوَةَ إلَّا تَحْذِيرًا وَأَخْذَ الْعُدَّةِ لِمُحَارَبَةِ الْمُسْلِمِينَ وَمَنْعًا لِمَا رَجَاهُ الْمُسْلِمُونَ مِنْ الظُّهُورِ عَلَيْهِمْ، وَأَمَّا مَنْ بَعُدَ وَخِيفَ أَنْ لَا تَكُونَ نَاحِيَتُهُ نَاحِيَةَ مَنْ أَعْلَمْتُك، فَإِنَّ الدَّعْوَةَ أَقْطَعُ لِلشَّكِّ وَأَبَرُّ لِلْجِهَادِ يَبْلُغُ ذَلِكَ بِك، وَبِهِ مَا بَلَغَ وَبِهَا تَنَالُ عِلْمَ مَا هُمْ عَلَيْهِ مِنْ الْإِجَابَةِ لَك.
ابْنُ وَهْبٍ: وَلَعَلَّهُ أَنْ لَا يَكُونَ عَالِمًا وَإِنْ ظَنَنْت أَنَّهُ عَالَمٌ، اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ وَابْنُ لَهِيعَةَ وَعُمَيْرَةُ بْنُ أَبِي نَاجِيَةَ وَيَحْيَى بْنُ أَيُّوبَ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ أَنَّهُ قَالَ: لَا بَأْسَ بِابْتِغَاءِ عَوْرَةِ الْعَدُوِّ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ، لِأَنَّ دَعْوَةَ الْإِسْلَامِ قَدْ بَلَغَتْهُمْ، وَقَدْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ بَعَثَ إلَى خَيْبَرَ فَقَتَلُوا أَمِيرَهُمْ ابْنَ أَبِي الْحَقِيقِ غِيلَةً، وَإِلَى صَاحِبِ بَنِي لِحْيَانَ مَنْ قَتَلَهُ غِيلَةً، وَبَعَثَ نَفَرًا فَقَتَلُوا آخَرِينَ إلَى جَانِبِ الْمَدِينَةِ مِنْ الْيَهُودِ مِنْهُمْ ابْنُ الْأَشْرَفِ.
قَالَ يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ: وَكَانَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ يَأْمُرُ أُمَرَاءَ جُيُوشِهِ أَنْ لَا يَنْزِلُوا بِأَحَدٍ مِنْ الْعَدُوِّ إلَّا دَعَوْهُمْ، قَالَ ابْنُ يَحْيَى: وَلَعَمْرِي إنَّهُ لَحَقِيقٌ عَلَى الْمُسْلِمِينَ أَنْ لَا يَنْزِلُوا بِأَحَدٍ مِنْ الْعَدُوِّ فِي الْحُصُونِ مِمَّنْ يَطْمَعُونَ بِهِ وَيَرْجُونَ أَنْ يَسْتَجِيبَ لَهُمْ إلَّا دَعَوْهُ، فَأَمَّا مَنْ إنْ جَلَسْت بِأَرْضِك أَتَوْك وَإِنْ سِرْت إلَيْهِمْ قَاتَلُوك، فَإِنَّ هَؤُلَاءِ لَا يُدْعَوْنَ وَلَا يُدْعَى مِثْلُهُمْ وَلَوْ طُمِعَ بِهِمْ لَكَانَ يَنْبَغِي لِلنَّاسِ أَنْ يَدْعُوهُمْ.
قَالَ: وَأَخْبَرَنِي الْقَاسِمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ حُسَيْنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ يُقَاتِلُ أَحَدًا مِنْ الْعَدُوِّ حَتَّى يَدْعُوهُمْ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ.
قُلْت لِابْنِ الْقَاسِمِ: وَكَانَ يُفَرِّقُ بَيْنَ الرُّومِ فِي قِتَالِهِمْ وَبَيْنَ الْقِبْطِ؟
قَالَ: نَعَمْ.
قَالَ: وَلَا يُقَاتَلُوا حَتَّى يُدْعَوْا، وَقَالَ أَيْضًا: لَا يَبِيتُوا حَتَّى يُدْعَوْا.
قُلْت: أَكَانَ مَالِكٌ يَرَى أَنْ يُدْعَوْا قَبْلَ أَنْ يُقَاتَلُوا وَلَا يَرَى أَنَّ الدَّعْوَةَ قَدْ بَلَغَتْهُمْ؟
قَالَ: نَعَمْ.
قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَقَالَ مَالِكٌ فِي قِتَالِ السَّلَّابَةِ تَدْعُوهُ إلَى أَنْ يَتَّقِيَ اللَّهَ وَيَدَعَ ذَلِكَ، فَإِنْ أَبَى فَقَاتِلِهِ وَإِنْ عَاجَلَك عَنْ أَنْ تَدْعُوهُ فَقَاتِلْهُ.
قَالَ: وَكَذَلِكَ أَهْلُ الْحَرْبِ إنْ عَاجَلُوك عَنْ أَنْ تَدْعُوهُمْ فَقَاتِلْهُمْ.
قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَإِنْ طَلَبَتْ السَّلَّابَةُ الطَّعَامَ أَوْ الثَّوْبَ أَوْ الْأَمْرَ الْخَفِيفَ فَأَرَى أَنْ يُعْطَوْا وَلَا يُقَاتَلُوا، كَذَلِكَ سَمِعْته مِنْ مَالِكٍ.
قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَسَأَلَ مَالِكًا رَجُلٌ مِنْ الْمَغْرِبِ فَقَالَ: يَا أَبَا عَبْدِ اللَّهِ إنَّا نَكُونُ فِي حُصُونِنَا فَيَأْتِينَا قَوْمٌ يُكَابِرُونَا يُرِيدُونَ أَنْفُسَنَا وَأَمْوَالَنَا وَحَرِيمَنَا، أَوْ قَالَ: أَمْوَالَنَا وَأَهْلِينَا؟ قَالَ: نَاشِدُوهُمْ اللَّهَ فِي ذَلِكَ فَإِنْ أَبَوْا وَإِلَّا فَالسَّيْفُ.
قَالَ: وَسُئِلَ مَالِكٌ عَنْ قَوْمٍ أَتَوْا إلَى قَوْمٍ فِي دِيَارِهِمْ فَأَرَادُوا قِتَالَهُمْ وَأَخْذَ أَمْوَالِهِمْ؟
قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: نَاشِدُوهُمْ اللَّهَ فَإِنْ أَبَوْا فَالسَّيْفُ.
ابْنُ وَهْبٍ عَنْ عُقْبَةَ بْنِ نَافِعٍ عَنْ رَبِيعَةَ بْنِ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَنَّهُ قَالَ: إنْ كَانَ عَدُوًّا لَمْ تَبْلُغْهُ الدَّعْوَةُ وَلَا أَمْرُ النُّبُوَّةِ، فَإِنَّهُمْ يُدْعَوْنَ وَيُعْرَضُ عَلَيْهِمْ الْإِسْلَامُ وَالْحَقُّ، وَتُسَيَّرُ إلَيْهِمْ الْأَمْثَالُ وَتُضْرَبُ لَهُمْ الْعِبْرُ وَيُتْلَى عَلَيْهِمْ الْقُرْآنُ، حَتَّى إذَا بَلَغَ الْعُذْرُ فِي دُعَائِهِمْ وَأَبُو طُلِبَتْ غِرَّتُهُمْ وَالْتُمِسَتْ غَفْلَتُهُمْ، وَكَانَ الدُّعَاءُ مِمَّنْ أَعْذَرَ فِي ذَلِكَ إلَيْهِمْ بَعْدَ الْأَعْذَارِ تَحْذِيرًا لَهُمْ.
مَالِكٌ عَنْ حُمَيْدٍ الطَّوِيلِ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ خَرَجَ إلَى خَيْبَرَ أَتَاهَا لَيْلًا، وَكَانَ إذَا جَاءَ قَوْمًا لَيْلًا لَمْ يُغِرْ حَتَّى يُصْبِحَ، فَلَمَّا أَصْبَحَ خَرَجَتْ عَلَيْهِ يَهُودُ خَيْبَرَ بِمَسَاحِيهِمْ وَمَكَاتِلِهِمْ فَلَمَّا رَأَوْا قَالُوا: مُحَمَّدٌ وَاَللَّهِ مُحَمَّدٌ وَالْخَمِيسُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ خَرِبَتْ خَيْبَرُ إنَّا إذَا نَزَلْنَا بِسَاحَةِ قَوْمٍ فَسَاءَ صَبَاحُ الْمُنْذَرِينَ».
ابْنُ وَهْبٍ عَنْ خَالِدِ بْنِ حُمَيْدٍ الْمَهْرِيِّ، أَنَّ إِسْحَاقَ بْنَ أَبِي سُلَيْمَانَ الْأَنْصَارِيَّ حَدَّثَهُمْ، أَنَّهُ سَأَلَ رَبِيعَةَ بْنَ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ رَجُلٍ عَرَضَ لَهُ لِصٌّ لِيَغْصِبَهُ مَالَهُ، فَرَمَاهُ فَنَزَعَ عَيْنَهُ هَلْ عَلَيْهِ دِيَةٌ؟
قَالَ: لَا وَلَا نَفْسُهُ، قُلْت لِرَبِيعَةَ: عَمَّنْ تَذْكُرُ هَذَا؟
فَقَالَ: كَانَ سَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ يُخْبِرَانِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: «مَنْ قُتِلَ دُونَ مَالِهِ فَأَفْضَلُ شَهِيدٍ قُتِلَ فِي الْإِسْلَامِ بَعْدَ أَنْ يَتَعَوَّذَ بِاَللَّهِ وَبِالْإِسْلَامِ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ فَإِنْ قُتِلَ اللِّصُّ فَشَرُّ قَتِيلٍ قُتِلَ فِي الْإِسْلَامِ».
وَقَالَ إِسْحَاقُ: وَكَانَ مُسْلِمُ بْنُ أَبِي مَرْيَمَ يَرَى هَذَا، ابْنُ وَهْبٍ، عَنْ عُمَرَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ زَيْدٍ عَنْ عَاصِمِ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ زَيْدٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ نُفَيْلٍ.
قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ قَاتَلَ دُونَ مَالِهِ حَتَّى يُقْتَلَ فَهُوَ شَهِيدٌ».
ابْنُ وَهْبٍ عَنْ جَرِيرِ بْنِ حَازِمٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ عَتِيقٍ قَالَ: قُلْت لِلْحَسَنِ: يَا أَبَا سَعِيدٍ إنَّا نَخْرُجُ تُجَّارًا فَيَعْرِضُ لَنَا قَوْمٌ يَقْطَعُونَ عَلَيْنَا السَّبِيلَ مِنْ أَهْلِ الْإِسْلَامِ؟
قَالَ: أَيُّهَا الرَّجُلُ قَاتِلْ عَنْ نَفْسِك وَعَنْ مَالِك.
ابْنُ وَهْبٍ.
قَالَ أَشْهَلُ بْنُ حَاتِمٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَوْنٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ، أَنَّهُ قَالَ: مَا عَلِمْت أَنَّ أَحَدًا مِنْ النَّاسِ تَرَكَ قِتَالَ مَنْ يُرِيدُ نَفْسَهُ وَمَالَهُ آثِمًا، وَكَانُوا يَكْرَهُونَ قِتَالَ الْأُمَرَاءِ.
ابْنُ وَهْبٍ، عَنْ جَرِيرِ بْنِ حَازِمٍ عَنْ أَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيِّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ أَنَّهُ قَالَ: مَا عَلِمْت أَحَدًا تَرَكَ قِتَالَ الْحَرُورِيَّةِ وَاللُّصُوصِ تَحَرُّجًا إلَّا أَنْ يَجْبُنَ الرَّجُلُ فَكَذَلِكَ الْمِسْكِينُ لَا يُلَامُ.
ابْنُ وَهْبٍ، عَنْ مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ دَم عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ حَمَلَ عَلَيْنَا السِّلَاحَ فَلَيْسَ مِنَّا وَلَا رَاصِدًا بِالطَّرِيقِ».
ابْنُ وَهْبٍ، عَنْ مَالِكٍ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ وَيُونُسَ وَأُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ وَغَيْرُهُمْ، أَنَّ نَافِعًا أَخْبَرَهُمْ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «مَنْ حَمَلَ عَلَيْنَا السِّلَاحَ فَلَيْسَ مِنَّا»، هَذِهِ الْآثَارُ كُلُّهَا لِابْنِ وَهْبٍ.

.الْجِهَادُ مَعَ هَؤُلَاءِ الْوُلَاةِ:

قَالَ: وَقَالَ مَالِكٌ: لَا أَرَى بَأْسًا أَنْ يُجَاهَدَ الرُّومُ مَعَ هَؤُلَاءِ الْوُلَاةِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَكَانَ فِيمَا بَلَغَنِي عَنْهُ وَلَمْ أَسْمَعْ مِنْهُ أَنَّهُ كَانَ يَكْرَهُ قَبْلَ ذَلِكَ جِهَادَ الرُّومِ مَعَ هَؤُلَاءِ، حَتَّى لَمَّا كَانَ زَمَنُ مَرْعَشٍ وَصَنَعَتْ الرُّومُ مَا صَنَعَتْ.
قَالَ: لَا بَأْسَ بِجِهَادِهِمْ.
قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَأَمَّا أَنَا فَقَدْ أَدْرَكْته وَهُوَ يَقُولُ: لَا بَأْسَ بِجِهَادِهِمْ مَعَ هَؤُلَاءِ الْوُلَاةِ.
قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ، قُلْت لِمَالِكٍ: يَا أَبَا عَبْدِ اللَّهِ إنَّهُمْ يَفْعَلُونَ وَيَفْعَلُونَ؟
فَقَالَ: لَا بَأْسَ عَلَى الْجُيُوشِ وَمَا يَفْعَلُ النَّاسُ، فَقَالَ: مَا أَرَى بِهِ بَأْسًا، وَيَقُولُ لَوْ تُرِكَ هَذَا أَيْ لَكَانَ ضِرَارًا عَلَى أَهْلِ الْإِسْلَامِ، وَيَذْكُرُ مَرْعَشًا وَمَا فَعَلَ بِهِمْ وَجَرَاءَةَ الرُّومِ عَلَى أَهْلِ الْإِسْلَامِ وَأَنَّهُ لَوْ تُرِكَ مِثْلَ هَذَا لَكَانَ ضِرَارًا عَلَى أَهْلِ الْإِسْلَامِ.

.الْغَزْوُ بِالنِّسَاءِ:

قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: سَأَلْنَا مَالِكًا عَنْ الرَّجُلِ يَغْزُو بِأَهْلِهِ إلَى الرِّبَاطِ عَلَى بَعْضِ السَّوَاحِلِ، فَقَالَ: لَا بَأْسَ بِذَلِكَ.
قُلْت: فَهَلْ كَشَفْتُمُوهُ عَنْ الرَّجُلِ يُدَرَّبُ فِي أَرْضِ الْعَدُوِّ غَازِيًا بِأَهْلِهِ مَعَهُ، أَوْ يَغْزُو بِالنِّسَاءِ مَعَ الرِّجَالِ فِي دَارِ الْحَرْبِ؟
فَقَالَ: مَا كَشَفْنَاهُ عَنْ أَكْثَرَ مِمَّا قُلْت لَك فِي الرِّبَاطِ، وَلَا أَرَى أَنْ يُخْرَجَ بِالنِّسَاءِ إلَى دَارِ الْحَرْبِ قُلْت: أَرَأَيْت النِّسَاءَ هَلْ يُدَرَّبُ بِهِنَّ فِي أَرْضِ الْعَدُوِّ فِي الْغَزْوِ؟
قَالَ: مَا سَمِعْت مِنْ مَالِكٍ فِيهِنَّ شَيْئًا، وَلَكِنْ سَمِعْت مَالِكًا يَقُولُ فِي السَّوَاحِلِ: لَا بَأْسَ أَنْ يَخْرُجَ الرَّجُلُ بِامْرَأَتِهِ إلَى السَّوَاحِلِ مِثْلَ الْإِسْكَنْدَرِيَّة وَمَا أَشْبَهَهَا.
قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَإِنْ غَزَا الْمُسْلِمُونَ فِي عَسْكَرٍ لَا يُخَافُ عَلَيْهِمْ لِقِلَّتِهِمْ، لَمْ أَرَ بَأْسًا أَنْ يَخْرُجَ بِالنِّسَاءِ فِي ذَلِكَ ابْنُ وَهْبٍ عَنْ أَنَسِ بْنِ عِيَاضٍ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ يَزِيدَ بْنِ هُرْمُزَ، أَنَّ نَجْدَةَ كَتَبَ إلَى ابْنِ عَبَّاسٍ يَسْأَلُهُ عَنْ خَمْسِ خِلَالٍ؟ فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: إنَّ النَّاسَ يَقُولُونَ: إنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ يُكَاتِبُ الْحَرُورِيَّةَ، وَلَوْلَا أَنِّي أَخَافُ أَنْ أَكْتُمَ عِلْمًا لَمْ أَكْتُبْ إلَيْهِ، وَقَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ فِي حَدِيثِهِ.
قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: وَلَوْلَا أَنِّي أَرُدُّهُ عَنْ بَيْنٍ يَقَعُ فِيهِ مَا كَتَبْت إلَيْهِ وَلَا نِعْمَةِ عَيْنٍ، فَكَتَبَ إلَيْهِ نَجْدَةُ: أَمَّا بَعْدُ فَأَخْبِرْنِي هَلْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ يَغْزُو بِالنِّسَاءِ وَهَلْ كَانَ يَضْرِبُ لَهُنَّ بِسَهْمٍ، وَهَلْ كَانَ يَقْتُلُ الصِّبْيَانَ، وَأَخْبِرْنِي مَتَى يَنْقَضِي يُتْمُ الْيَتِيمِ، وَعَنْ الْخُمْسِ لِمَنْ هُوَ؟ فَكَتَبَ إلَيْهِ ابْنُ الْعَبَّاسِ: «قَدْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ يَغْزُو بِالنِّسَاءِ فَيُدَاوِينَ الْمَرْضَى، وَيَجْزِينَ مِنْ الْغَنِيمَةِ وَلَمْ يُسْهِمْ لَهُنَّ، وَأَنَّهُ لَمْ يَقْتُلْ الصِّبْيَانَ»، وَكَتَبْت إلَيَّ تَسْأَلُنِي مَتَى يَنْقَضِي يُتْمُ الْيَتِيمِ، وَلَعَمْرِي إنَّ الرَّجُلَ لَتَنْبُتُ لِحْيَتُهُ وَإِنَّهُ لَضَعِيفُ الْأَخْذِ لِنَفْسِهِ ضَعِيفُ الْإِعْطَاءِ مِنْهَا، فَإِذَا أَخَذَ لِنَفْسِهِ مِنْ صَالِحِ مَا يَأْخُذُ النَّاسُ فَقَدْ انْقَطَعَ عَنْهُ الْيُتْمُ.

.فِي قَتْلِ النِّسَاءِ وَالصِّبْيَانِ فِي أَرْضِ الْعَدُوِّ:

قُلْت لِابْنِ الْقَاسِمِ: هَلْ كَانَ مَالِكٌ يَكْرَهُ قَتْلَ النِّسَاءِ وَالصِّبْيَانِ وَالشَّيْخِ الْكَبِيرِ فِي أَرْضِ الْحَرْبِ؟
قَالَ: نَعَمْ.
قُلْت: فَهَلْ كَانَ مَالِكٌ يَكْرَهُ قَتْلَ الرُّهْبَانِ الْمُحْبَسِينَ فِي الصَّوَامِعِ وَالدِّيَارَاتِ؟
قُلْت: أَرَأَيْت الرَّاهِبَ هَلْ يُقْتَلُ؟
قَالَ: سَمِعْت مَالِكًا يَقُولُ لَا يُقْتَلُ الرَّاهِبُ.
قَالَ مَالِكٌ: وَأَرَى أَنْ يُتْرَكَ لَهُمْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ مَا يَعِيشُونَ بِهِ لَا يَأْخُذُوا مِنْهُمْ أَمْوَالَهُمْ كُلَّهَا فَلَا يَجِدُونَ مَا يَعِيشُونَ بِهِ فَيَمُوتُونَ ابْنُ وَهْبٍ عَنْ ابْنِ لَهِيعَةَ عَنْ عَبْدِ رَبِّهِ بْنِ سَعِيدٍ عَنْ سَلَمَةَ بْنِ كُهَيْلٍ عَنْ شَقِيقِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ جَرِيرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْبَجَلِيِّ قَالَ: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذَا بَعَثَ سَرِيَّةً قَالَ بِاسْمِ اللَّهِ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَعَلَى مِلَّةِ رَسُولِ اللَّهِ لَا تَغْلُوا وَلَا تَغْدِرُوا وَلَا تُمَثِّلُوا وَلَا تَقْتُلُوا الْوِلْدَانَ».
مَالِكٌ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ، أَنَّ ابْنًا لِكَعْبِ بْنِ مَالِكٍ الْأَنْصَارِيِّ أَخْبَرَهُ قَالَ: «نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ النَّفَرَ الَّذِينَ قَتَلُوا ابْنَ أَبِي الْحَقِيقِ عَنْ قَتْلِ النِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ» مَالِكٌ وَغَيْرُهُ عَنْ نَافِعٍ: «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَأَى فِي بَعْضِ مَغَازِيهِ امْرَأَةً مَقْتُولَةً فَأَنْكَرَ ذَلِكَ وَنَهَى عَنْ قَتْلِ النِّسَاءِ وَالصِّبْيَانِ». ابْنُ وَهْبٍ عَنْ ابْنِ أَبِي الزِّنَادِ عَنْ أَبِيهِ، قَالَ حَدَّثَنِي الْمُرَقَّعُ بْنُ صَيْفِيٍّ أَنَّ جَدَّهُ رَبَاحَ بْنَ رَبِيعٍ أَخَا حَنْظَلَةَ الْكَاتِب أَخْبَرَهُ، أَنَّهُ خَرَجَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي غَزْوَةٍ غَزَاهَا كَانَ عَلَى مُقَدِّمَةٍ فِيهَا خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ، فَمَرَّ رَبَاحٌ وَأَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ عَلَى امْرَأَةٍ مَقْتُولَةٍ مِمَّا أَصَابَتْ الْمُقَدِّمَةَ، فَوَقَفُوا عَلَيْهَا يَنْظُرُونَ إلَيْهَا وَيَعْجَبُونَ مِنْ خَلْقِهَا حَتَّى لَحِقَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى نَاقَةٍ لَهُ فَانْفَرَجُوا عَنْ الْمَرْأَةِ، فَوَقَفَ عَلَيْهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ قَالَ: «هَاهْ مَا كَانَتْ هَذِهِ تُقَاتَلُ. قَالَ: ثُمَّ نَظَرَ فِي وُجُوهِ الْقَوْمِ فَقَالَ لِأَحَدِهِمْ الْحَقْ بِخَالِدِ بْنِ الْوَلِيدِ فَلَا يَقْتُلَنَّ ذُرِّيَّةً وَلَا عَسِيفًا».
مَالِكٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، أَنَّ أَبَا بَكْرٍ الصِّدِّيقَ بَعَثَ جَيْشًا إلَى الشَّامِ فَخَرَجَ يَمْشِي مَعَ يَزِيدَ بْنِ أَبِي سُفْيَانَ وَكَانَ عَلَى رَبْعٍ مِنْ الْأَرْبَاعِ، فَقَالَ يَزِيدُ لِأَبِي بَكْرٍ: إمَّا أَنْ تَرْكَبَ وَإِمَّا أَنْ أَنْزِلَ؟ فَقَالَ لَهُ: مَا أَنْتَ بِنَازِلٍ وَمَا أَنَا بِرَاكِبٍ احْتَسِبْ خُطَايَ هَذِهِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، فَقَالَ: إنَّك سَتَجِدُ قَوْمًا قَدْ فَحَصُوا عَنْ أَوَاسِطِ رُءُوسِهِمْ مِنْ الشَّعْرِ فَاضْرِبْ مَا فَحَصُوا عَنْهُ بِالسَّيْفِ، وَسَتَجِدُ قَوْمًا زَعَمُوا أَنَّهُمْ حَبَسُوا أَنْفُسَهُمْ لِلَّهِ تَعَالَى فَدَعْهُمْ وَمَا زَعَمُوا أَنَّهُمْ حَبَسُوا أَنْفُسَهُمْ لَهُ، وَإِنِّي مُوصِيكَ بِعَشْرٍ: لَا تَقْتُلْنَ امْرَأَةً، وَلَا صَبِيًّا، وَلَا كَبِيرًا هَرِمًا، وَلَا تَقْطَعْنَ شَجَرًا مُثْمِرًا، وَلَا تُخَرِّبْنَ عَامِرًا، وَلَا تَعْقِرْنَ شَاةً، وَلَا بَعِيرًا إلَّا لِمَأْكَلِهِ، وَلَا تُحْرِقَنَّ نَخْلًا وَلَا تُغْرِقَنَّهُ، وَلَا تَغْلُلْ وَلَا تَجْبُنْ، وَذُكِرَ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ أَنَّهُ قَالَ: لَا تَقْتُلُوا هَرِمًا وَلَا امْرَأَةً وَلَا وَلِيدًا وَتَوَقُّوا قَتْلَهُمْ إذَا الْتَقَى الزَّحْفَانِ، وَعِنْدَ حُمَّةِ النَّهَضَاتِ، وَفِي شَنِّ الْغَارَاتِ قُلْت لِابْنِ الْقَاسِمِ: هَلْ كَانَ مَالِكٌ يَكْرَهُ أَنْ تُحَرَّقَ قُرَاهُمْ وَحُصُونُهُمْ بِالنِّيرَانِ أَوْ تُغْرَقَ بِالْمَاءِ؟
قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: لَا بَأْسَ أَنْ تُحَرَّقَ قُرَاهُمْ وَحُصُونُهُمْ بِالنِّيرَانِ وَتُغْرَقَ بِالْمَاءِ وَتُخَرَّبَ.
قال سَحْنُونٌ: وَأَصْلُ مَا جَاءَ عَنْ أَبِي بَكْرٍ فِي النَّهْيِ عَنْ قَطْعِ الشَّجَرِ وَخَرَابِ الْعَامِرِ، أَنَّ ذَلِكَ لَمْ يَكُنْ مِنْ أَبِي بَكْرٍ رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَيْهِ نَظَرًا لِلشِّرْكِ وَأَهْلِهِ، وَالْحِيطَةَ لَهُمْ وَلَا ذَبًّا عَنْهُمْ، وَلَكِنْ أَرَادَ النَّظَرَ لِلْإِسْلَامِ وَأَهْلِهِ وَالْحِيطَةَ لَهُمْ وَالتَّوْهِينَ لِلشِّرْكِ، وَلِأَنَّهُ رَجَا أَنْ يَصِيرَ ذَلِكَ لِلْمُسْلِمِينَ، وَإِنَّ خَرَابَهُ وَهْنٌ عَلَى الْمُسْلِمِينَ لِلَّذِي رَجَاهُ مِنْ كَوْنِهِ لِلْمُسْلِمِينَ لِأَنَّ خَرَابَهُ ضَرَرٌ عَلَى الْإِسْلَامِ وَأَهْلِهِ وَلَمْ يُرِدْ بِهِ نَظَرًا لِأَهْلِ الشِّرْكِ وَمَنْعِ نَوَاحِيهِ، وَكُلُّ بَلَدٍ لَا رَجَاءَ لِلْمُسْلِمِينَ فِي الظُّهُورِ عَلَيْهَا وَالْمَقْدِرَةِ فَوَهْنُ ذَلِكَ وَضَرُورَةٌ عَلَى أَهْلِ الشِّرْكِ، وَهُوَ أَصْلُ قَوْلِ مَالِكٍ وَأَصْلُ هَذَا الْمُلْكِ، وَقَدْ اخْتَلَفَ عَنْ مَالِكٍ فِي الرُّهْبَانِ، فَقَالَ مَالِكٌ: فِيهِمْ التَّدْبِيرُ وَالنَّظَرُ وَالْبُغْضُ لِلدِّينِ وَالْحُبُّ لَهُ، وَالذَّبُّ عَنْ النَّصْرَانِيَّةِ فَهُمْ أَنْكَى مِمَّنْ يُقَاتِلُ بِدِينِهِ، وَأَضَرُّ بِالْمُسْلِمِينَ، وَالْأَكْثَرُ وَالْغَالِبُ أَنَّهُمْ لَا يُقْتَلُونَ يَعْنِي الرُّهْبَانَ وَالشَّيْخَ الْكَبِيرَ.
ابْنُ وَهْبٍ وَذَكَرَ مَخْرَمَةُ بْنُ بُكَيْرٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: سَأَلْت عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ الْقَاسِمِ وَنَافِعًا مَوْلَى ابْنِ عُمَرَ عَنْ شَجَرِ الْعَدُوِّ: هَلْ تُقْطَعُ وَهَلْ تُهْدَمُ بُيُوتُهُمْ؟
قَالَ: نَعَمْ.
قُلْت لِابْنِ الْقَاسِمِ: فَقَطْعُ الشَّجَرِ الْمُثْمِرِ وَغَيْرِ الْمُثْمِرِ أَكَانَ مَالِكٌ يَرَى بِهِ بَأْسًا؟
قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: يُقْطَعُ الشَّجَرُ فِي بِلَادِهِمْ الْمُثْمِرُ وَغَيْرُ الْمُثْمِرِ وَلَا بَأْسَ بِذَلِكَ، قُلْت: وَهَلْ كَانَ يَرَى حَرْقَ قُرَاهُمْ وَحُصُونِهِمْ وَقَطْعَ شَجَرِهِمْ وَخَرَابَ بِلَادِهِمْ أَفْضَلَ مِنْ تَرْكِ ذَلِكَ؟
قَالَ: لَا أَدْرِي، وَلَكِنِّي سَمِعْته يَقُولُ: لَا بَأْسَ بِذَلِكَ وَكَانَ يَتَأَوَّلُ هَذِهِ الْآيَةَ: {مَا قَطَعْتُمْ مِنْ لِينَةٍ أَوْ تَرَكْتُمُوهَا قَائِمَةً عَلَى أُصُولِهَا فَبِإِذْنِ اللَّهِ وَلِيُخْزِيَ الْفَاسِقِينَ} وَيَتَأَوَّلُ هَذِهِ الْآيَةَ إذَا ذَكَرَ قَطْعَ الشَّجَرِ وَخَرَابَ بِلَادِهِمْ، وَقَدْ ذَكَرَ مَالِكٌ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَطَعَ نَخْلَ بَنِي النَّضِيرِ ابْنُ وَهْبٍ عَنْ اللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ عَنْ نَافِعٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَحْرَقَ نَخْلَ بَنِي النَّضِيرِ وَهِيَ الْبُوَيْرَةُ، وَلَهَا يَقُولُ حَسَّانُ بْنُ ثَابِتٍ: وَهَانَ عَلَى سَرَاةِ بَنِي لُؤَيٍّ حَرِيقٌ بِالْبُوَيْرَةِ مُسْتَطِيرُ فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: {مَا قَطَعْتُمْ مِنْ لِينَةٍ أَوْ تَرَكْتُمُوهَا قَائِمَةً عَلَى أُصُولِهَا فَبِإِذْنِ اللَّهِ وَلِيُخْزِيَ الْفَاسِقِينَ} ابْنُ وَهْبٍ عَنْ ابْنِ لَهِيعَةَ عَنْ عَبْدِ الْجَلِيلِ بْنِ عُبَيْدٍ الْيَحْصُبِيِّ أَنَّهُ سَمِعَ ابْنَ شِهَابٍ يَقُولُ: إنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَ أُسَامَةَ بْنَ زَيْدٍ حِينَ بَعَثَهُ إلَى الشَّامِ أَنْ يَسِيرَ حَتَّى يَأْتِيَ أُبْنَى فَيُحَرِّقُ وَيُهْرِيقُ دَمًا فَفَعَلَ ذَلِكَ أُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ.
ابْنُ وَهْبٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ الْحَارِثِ، أَنَّ بُكَيْرًا حَدَّثَهُ قَالَ: سَمِعْت سُلَيْمَانَ بْنَ يَسَارٍ يَقُولُ: أَمَّرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُسَامَةَ بْنَ زَيْدٍ عَلَى جَيْشٍ فَأَمَرَهُ أَنْ يُحَرِّقَ فِي أُبْنَى.
قُلْت: أَرَأَيْتَ إنْ سَبَوْا رِجَالًا وَنِسَاءً وَذَرَارِيَّ فَلَمْ يَجِدُوا لَهُمْ حُمُولَةً وَلَمْ يُقْوُوا عَلَى إخْرَاجِهِمْ هَلْ سَمِعْت فِيهِمْ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ؟
قَالَ: سَمِعْت مَالِكًا وَسُئِلَ عَنْ قَتْلِ الْأَسَارَى؟
قَالَ: أَمَّا كُلُّ مَنْ خِيفَ مِنْهُ فَأَرَى أَنْ يُقْتَلَ، قُلْت: أَرَأَيْتَ إنْ أَخَذَ الْإِمَامُ أُسَارَى؟ هَلْ سَمِعْت مَالِكًا يَقُولُ إنَّ ذَلِكَ إلَى الْإِمَامِ إنْ شَاءَ أَنْ يَضْرِبَ رِقَابَهُمْ وَإِنْ شَاءَ اسْتَحْيَاهُمْ وَجَعَلَهُمْ فَيْئًا؟
قَالَ: سَمِعْته يَقُولُ: أَمَّا مَنْ خِيفَ مِنْهُ فَإِنَّهُ يُقْتَلُ.
قَالَ: أَرَأَيْت مَالِكًا فِيمَا وَقَفْته عَلَيْهِ يَفِرُّ مِنْ قَتْلِ الَّذِينَ لَا يُخَافُ مِنْهُمْ مِثْلَ الْكَبِيرِ وَالصَّغِيرِ.
قال سَحْنُونٌ: أَلَا تَرَى إلَى مَا نَالَ الْمُسْلِمِينَ مِنْ أَبِي لُؤْلُؤَةَ، فَإِذَا كَانَ الْأَسِيرُ مَنْ أَبْغَضَ لِلدِّينِ وَعَادَى عَلَيْهِ وَأَحَبَّ لَهُ وَخِيفَ عَلَيْهِ أَنْ لَا تُؤْمِنَ غِيلَتُهُ، فَهُوَ الَّذِي يُقْتَلُ وَأَمَّا غَيْرُ ذَلِكَ فَهُمْ الْحَشْوَةُ وَلَهُمْ قُوتِلَ الْمُشْرِكُونَ، وَهُمْ كَالْأَمْوَالِ وَفِيهِمْ الرَّغْبَةُ وَبِهِمْ الْقُوَّةُ عَلَى قِتَالِ أَهْلِ الشِّرْكِ، وَقَدْ ذَكَرَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ أَنَّهُ قَالَ: كَتَبَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ إلَى أُمَرَاءِ الْجُيُوشِ يَأْمُرُهُمْ أَنْ يَقْتُلُوا مِنْ الْكُفَّارِ كُلَّ مَنْ قَدْ جَرَتْ عَلَيْهِمْ الْمَوَاسِي، وَلَا تَسْبُوا إلَيْنَا مِنْ عُلُوجِهِمْ أَحَدًا وَكَانَ يَقُولُ: لَا يُحْمَلُ إلَى الْمَدِينَةِ مِنْ عُلُوجِهِمْ أَحَدٌ فَلَمَّا أُصِيبَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ قَالَ: مَنْ أَصَابَنِي؟ قَالُوا: غُلَامُ الْمُغِيرَةِ بْنُ شُعْبَةَ، فَقَالَ: نَهَيْتُكُمْ أَنْ تَحْمِلُوا إلَيْنَا مِنْ هَؤُلَاءِ الْأَعْلَاجِ أَحَدًا فَعَصَيْتُمُونِي.
وَلَقَدْ سُئِلَ مَالِكٌ عَنْ الرَّجُلِ مِنْ الرُّومِ يَلْقَاهُ الْمُسْلِمُونَ فَيَقُولُ: إنَّمَا جِئْت أَطْلُبُ الْأَمَانَ، فَيُقَالُ لَهُ: كَذَبْت وَلَكِنَّا حِينَ أَخَذْنَاك اعْتَلَلْت عَلَيْنَا بِهَذَا.
قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: وَمَا يَدْرِيهِمْ هَذِهِ أُمُورٌ مُشْكِلَةٌ.
قَالَ مَالِكٌ: فَأَرَى أَنْ يُرَدَّ إلَى مَأْمَنِهِ.
قُلْت: أَرَأَيْت الرَّجُلَ مِنْ أَهْلِ الْحَرْبِ يَدْخُلُ إلَى بِلَادِ الْإِسْلَامِ بِغَيْرِ أَمَانٍ فَيَأْخُذُهُ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْإِسْلَامِ، أَيَكُونُ لَهُ أَمْ يَكُونُ فَيْئًا لِجَمِيعِ الْمُسْلِمِينَ؟
قَالَ: لَمْ أَسْمَعْ مِنْ مَالِكٍ فِيهِ شَيْئًا، إلَّا أَنَّ مَالِكًا قَالَ فِيمَا وُجِدَ عَلَى سَاحِلِ الْبَحْرِ مِنْ سَوَاحِلِ الْمُسْلِمِينَ مِنْ الْعَدُوِّ فَزَعَمُوا أَنَّهُمْ تُجَّارٌ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ، إنَّ ذَلِكَ لَا يُقْبَلُ مِنْهُمْ وَلَا يَكُونُونَ لِأَهْلِ قَرْيَةٍ إنْ سَقَطُوا إلَيْهِمْ، وَلَكِنَّ ذَلِكَ إلَى وَالِي الْمُسْلِمِينَ يَرَى فِيهِمْ رَأْيَهُ، وَأَنَا أَرَى أَنَّ ذَلِكَ فَيْءٌ لِلْمُسْلِمِينَ وَيُجْتَهَدُ فِيهِ الْوَالِي.
قُلْت: أَرَأَيْت الرُّومِيَّ يَحِلُّ بِسَاحِلِنَا تَاجِرًا فَيَنْزِلُ مِنْ غَيْرِ أَنْ يُعْطَى أَمَانًا، فَيَقُولُ ظَنَنْت أَنَّكُمْ لَا تَتَعَرَّضُونَ لِمَنْ جَاءَكُمْ تَاجِرًا حَتَّى يَبِيعَ تِجَارَتَهُ وَيَنْصَرِفَ عَنْكُمْ، أَيُعْذَرُ بِهَذَا وَلَا يَكُونُ فَيْئًا؟
قَالَ: سَمِعْت مَالِكًا وَسَأَلَهُ أَهْلُ الْمِصِّيصَةِ فَقَالَ: إنَّا نَخْرُجُ فِي بِلَادِ الرُّومِ فَنَلْقَى الْعِلْجَ مِنْهُمْ مُقْبِلًا إلَيْنَا، فَإِذَا أَخَذْنَاهُ قَالَ إنَّمَا جِئْت أَطْلُبُ الْأَمَانَ أَتَرَى أَنْ نُصَدِّقَهُ؟
قَالَ: وَقَالَ مَالِكٌ: هَذِهِ أُمُورٌ مُشْكِلَةٌ وَأَرَى أَنْ يُرَدَّ إلَى مَأْمَنِهِ، فَأَرَى هَؤُلَاءِ مِثْلَهُ إمَّا قَبِلْت مَا قَالُوا وَإِمَّا رَدَدْتهمْ إلَى مَأْمَنِهِمْ وَرَوَى ابْنُ وَهْبٍ عَنْ مَالِكٍ فِي قَوْمٍ مِنْ الْعَدُوِّ يُوجَدُونَ قَدْ نَزَلُوا بِغَيْرِ إذْنٍ مِنْ الْمُسْلِمِينَ عَلَى ضِفَّةِ الْبَحْرِ فِي أَرْضِ الْمُسْلِمِينَ، فَيَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ تُجَّارٌ وَأَنَّ الْبَحْرَ لَفَظَهُمْ هُنَا وَلَا يَعْرِفُ الْمُسْلِمُونَ تَصْدِيقَ ذَلِكَ إلَّا أَنَّ مَرَاكِبَهُمْ قَدْ انْكَسَرَتْ بِهِمْ وَمَعَهُمْ السِّلَاحُ، أَوْ يَشْكُونَ الْعَطَشَ الشَّدِيدَ فَيَنْزِلُونَ لِلْمَاءِ بِغَيْرِ إذْنِ الْمُسْلِمِينَ؟
قَالَ مَالِكٌ: ذَلِكَ إلَى الْإِمَامِ يَرَى فِيهِمْ رَأْيَهُ، وَلَا أَرَى لِمَنْ أَخَذَهُمْ فِيهِمْ خُمْسًا لَا وَالٍ وَلَا غَيْرَهُ.
قَالَ ابْنُ وَهْبٍ: قَالَ مَالِكٌ: وَلَا يَكُونُ الْخُمْسُ إلَّا فِيمَا أُوجِفَتْ عَلَيْهِ الْخَيْلُ وَالرِّكَابُ، خَمَّسَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قُرَيْظَةَ وَقَسَّمَ النَّضِيرِ بَيْنَ الْمُهَاجِرِينَ وَثَلَاثَةٍ مِنْ الْأَنْصَارِ، سَهْلِ بْنِ حُنَيْفٍ وَأَبِي دُجَانَةَ وَالْحَارِثِ بْنِ الصِّمَّةِ.
ابْنُ وَهْبٍ وَابْنُ لَهِيعَةَ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ: لَيْسَ لِلْعَدُوِّ الْمُحَارَبِ إذَا قَدِرَ عَلَيْهِ الْمُسْلِمُونَ فِي نَفْسِهِ قَضَاءٌ، وَلَا أَمَرَهُمْ يَقْضُونَ فِي أَمْرِهِ مَا أَحَبُّوا لَيْسَ لِلْعَدُوِّ أَنْ يَنْزِلُوا بِأَرْضِ الْمُسْلِمِينَ لِلتِّجَارَةِ وَلَا يُقْبَلُ مِنْهُمْ، إلَّا أَنْ يَكُونُوا رُسُلًا بُعِثُوا فِي أَمْرٍ فِيمَا بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ وَعَدُوِّهِمْ، فَأَمَّا مَنْ أَخَذَهُ الْمُسْلِمُونَ فَزَعَمَ أَنَّهُ جَاءَ لِلتِّجَارَةِ أَوْ مُسْتَأْمَنًا بَعْدَمَا أُخِذَ فَلَا أَمَانَ لَهُ.
ابْنُ وَهْبٍ: قَالَ ابْنُ لَهِيعَةَ: وَقَالَ رَبِيعَةُ بْنُ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ: إنْ كَانُوا مِنْ أَرْضِ مَتْجَرٍ قَدْ أَمِنُوا بِالتِّجَارَةِ فِيهِمْ وَالِاخْتِلَافِ إلَيْهِمْ فَهُمْ عَلَى مَنْزِلَةِ أَمَانٍ يَشْرَبُونَ مِنْ الْمَاءِ وَيَقْضُونَ حَاجَاتِهِمْ، وَإِنْ كَانُوا مِنْ أَرْضِ عَدُوٍّ وَلَمْ يَكُنْ بَيْنَكُمْ وَلَا بَيْنَهُمْ ذِمَّةٌ وَلَمْ تَكُنْ التِّجَارَةُ مِنْكُمْ وَلَا مِنْهُمْ فِيمَا بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ فَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ عُذْرٌ بِقَوْلِهِمْ إنَّا جِئْنَا تُجَّارًا إلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ وَعَدُوِّهِمْ بِحَبْلٍ قَدْ ثَبَتَ وَأَمْرٍ قَدْ جَرَى، وَلَوْ تُرِكَ أَشْبَاه هَذَا مِنْ الْعَدُوِّ لَمْ تَزَلْ عَيْنٌ مِنْ الْعَدُوِّ مُطِلَّةً عَلَى الْمُسْلِمِينَ يُحَذِّرُونَهُمْ وَيَطْمَعُونَ بِضَعْفِهِمْ.
وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَلَقَدْ سَأَلْت مَالِكًا عَنْ الرُّومِ يَنْزِلُونَ بِسَاحِلِ الْمُسْلِمِينَ مَعَهُمْ التِّجَارَاتُ بِأَمَانٍ فَيَبِيعُونَ وَيَشْتَرُونَ ثُمَّ يَرْكَبُونَ الْبَحْرَ رَاجِعِينَ إلَى بِلَادِهِمْ، فَإِذَا أَمْعَنُوا فِي الْبَحْرِ رَمَتْهُمْ الرِّيحُ إلَى بَعْضِ بُلْدَانِ الْمُسْلِمِينَ غَيْرَ الْبِلَادِ الَّتِي كَانُوا أَخَذُوا فِيهَا الْأَمَانَ؟
قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: لَهُمْ الْأَمَانُ أَبَدًا مَا دَامُوا فِي تَجْرِهِمْ حَتَّى يَرْجِعُوا إلَى بِلَادِهِمْ وَلَا أَرَى لَهُمْ أَنْ يُهَاجِرُوا.

.مَا جَاءَ فِي قَتْلِ الْأُسَارَى:

ابْنُ وَهْبٍ، عَنْ ابْنِ لَهِيعَةَ وَعُمَرَ بْنِ مَالِكٍ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي جَعْفَرٍ عَنْ حَنَشِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَتَلَ سَبْعِينَ أَسِيرًا بَعْدَ الْإِثْخَانِ مِنْ يَهُودٍ، وَقَتَلَ عُقْبَةَ بْنَ مُعَيْطٍ أُتِيَ بِهِ أَسِيرًا يَوْمَ بَدْرٍ فَذَبَحَهُ، فَقَالَ: مَنْ لِلصِّبْيَةِ؟
قَالَ: النَّارُ.
ابْنُ وَهْبٍ، عَنْ اللَّيْثِ بْنِ سَعْدِ عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ، حَدَّثَهُ أَنَّ عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ أُتِيَ بِأَسِيرٍ مِنْ الْخُزْرِ فَقَالَ لَهُ عُمَرُ: لَأَقْتُلَنَّكَ، قَالَ لَهُ الْأَسِيرُ: إذًا لَا يُنْقِصُ ذَلِكَ مِنْ عَدَدِ الْخُزْرِ شَيْئًا.
فَقَتَلَهُ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ وَلَمْ يَقْتُلْ أَسِيرًا فِي خِلَافَتِهِ غَيْرَهُ فِيمَا بَلَغَنَا.
قَالَ اللَّيْثُ: وَكَانَ أَبُو عُبَيْدَةَ وَعِيَاضُ بْنُ عُقْبَةَ بْنِ نَافِعٍ يَقْتُلَانِ الْأُسَارَى إذَا أُتِيَ بِهِمْ فِي أَرْضِ الرُّومِ.
مَخْرَمَةُ بْنُ بُكَيْرٍ، عَنْ أَبِيهِ عَنْ نَافِعٍ مَوْلَى ابْنِ عُمَرَ قَالَ: «قَتَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حُيَيَّ بْنَ أَخْطَبَ صَبْرًا بَعْدَ أَنْ رُبِطَ».
مَخْرَمَةُ، عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْقَاسِمِ قَالَ: «قَتَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الزُّبَيْرَ صَاحِبَ بَنِي قُرَيْظَةَ صَبْرًا».

.فِي قَسْمِ الْغَنَائِمِ:

قُلْت: أَرَأَيْت إذَا غَنِمَ الْمُسْلِمُونَ غَنِيمَةً هَلْ يَكْرَهُ مَالِكٌ لَهُمْ أَنْ يَقْسِمُوا ذَلِكَ فِي بِلَادِ الْحَرْبِ؟
قَالَ: الشَّأْنُ عِنْدَ مَالِكٍ أَنْ يُقَسَّمَ فِي بِلَادِ الْحَرْبِ وَيُبَاعَ، ثُمَّ قَالَ: وَكَانَ يَحْتَجُّ فِيهِ مَالِكٌ يَقُولُ هُمْ أَوْلَى بِرُخْصَتِهِ.
قَالَ: وَقَالَ مَالِكٌ: تُقَسَّمُ الْغَنَائِمُ وَتُبَاعُ فِي دَارِ الْحَرْبِ.
وَقَالَ مَالِكٌ: هُوَ الشَّأْنُ.
قال سَحْنُونٌ: أَلَا تَرَى أَنَّ الطَّوَائِفَ وَالْجُيُوشَ لَيْسَ سِيرَتُهُمْ سِيرَةَ السَّرَايَا، إنَّمَا سِيرَتُهُمْ عَلَى الْإِظْهَارِ وَعَلَى غَيْرِ الِاخْتِفَاءِ وَأَنَّهُمْ فِي اجْتِمَاعِهِمْ وَكَثْرَتِهِمْ إذَا نَزَلُوا بِمَوْضِعٍ فَكَأَنَّهُمْ غَلَبُوا عَلَيْهِ وَظَهَرُوا عَلَيْهِ، وَهُمْ الَّذِينَ يَبْعَثُونَ السَّرَايَا وَإِلَيْهِمْ تَرْجِعُ فَلَيْسَ يُخَافُ عَلَيْهِمْ أَمْرٌ وَلَا يُتَعَقَّبُ فِيهِمْ خَوْفٌ وَهُمْ أُمَرَاءُ يُقِيمُونَ الْحُدُودَ وَيَقْسِمُونَ الْفَيْءَ.
وَذَكَرَ ابْنُ وَهْبٍ عَنْ مَسْلَمَةَ عَنْ الْأَوْزَاعِيِّ أَنَّهُ قَالَ فِي قَسْمِ الْغَنِيمَةِ فِي أَرْضِ الْحَرْبِ قَبْلَ خُرُوجِهِمْ مِنْهَا.
قَالَ: لَمْ يَقْفِلْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ غَزْوَةٍ أَصَابَ فِيهَا مَغْنَمًا إلَّا خَمَّسَهُ وَقَسَّمَهُ قَبْلَ أَنْ يَقْفِلَ.
قَالَ: وَمِنْ ذَلِكَ غَزْوَةُ بَنِي الْمُصْطَلِقِ وَخَيْبَرَ وَحُنَيْنٍ، ثُمَّ لَمْ يَزَلْ الْمُسْلِمُونَ عَلَى ذَلِكَ بَعْدَهُ وَوَغَلَتْ جُيُوشُهُمْ فِي أَرْضِ الشِّرْكِ فِي خِلَافَةِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ إلَى خِلَافَةِ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ، ثُمَّ هَلُمَّ جَرًّا فِي أَرْضِ الشِّرْكِ حَتَّى هَاجَتْ الْفِتْنَةُ.
ابْنُ وَهْبٍ، عَنْ ابْنِ لَهِيعَةَ عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ كَتَبَ إلَى سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ يَوْمَ افْتَتَحَ الْعِرَاقَ: أَمَّا بَعْدُ فَقَدْ بَلَغَنِي كِتَابُك تَذْكُرُ أَنَّ النَّاسَ قَدْ سَأَلُوك أَنْ تُقَسِّمَ بَيْنَهُمْ مَغَانِمَهُمْ وَمَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ، فَإِذَا جَاءَك كِتَابِي هَذَا فَانْظُرْ مَا أَجْلَبَ النَّاسُ عَلَيْك فِي الْعَسْكَرِ مِنْ كُرَاعٍ أَوْ مَالٍ، فَاقْسِمْهُ بَيْنَ مَنْ حَضَرَ مِنْ الْمُسْلِمِينَ وَاتْرُكْ الْأَرْضِينَ وَالْأَنْهَارَ بِعُمَّالِهَا لِيَكُونَ ذَلِكَ فِي أَعْطِيَاتِ الْمُسْلِمِينَ، فَإِنَّك لَوْ قَسَّمْتهَا بَيْنَ مَنْ حَضَرَ لَمْ يَكُنْ لِمَنْ بَقِيَ بَعْدَهُمْ شَيْءٌ.

.فِي الرَّجُلِ يَعْرِفُ مَتَاعَهُ وَعَبِيدَهُ قَبْلَ أَنْ يَقَعُوا فِي الْقَسْمِ:

قُلْت: أَرَأَيْت مَا كَانَ مَنْ أَمْوَالِ أَهْلِ الْإِسْلَامِ مَنْ عَبِيدٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ، وِسَادَاتُهُمْ غُيَّبٌ، أَيَقْسِمُونَ ذَلِكَ فِي قَوْلِ مَالِكٍ؟
قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: مَا عَلِمُوا أَنَّهُ لِأَهْلِ الْإِسْلَامِ فَلَا يَقْسِمُوهُ، وَإِنْ كَانَتْ سَادَاتُهُمْ غُيَّبًا، كَانَ أَهْلُ الشِّرْكِ أَحْرَزُوهُمْ أَوْ بَقُوا إلَيْهِمْ فَذَلِكَ سَوَاءٌ لَا يَقْسِمُونَ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ إذَا هُمْ عَرَفُوا أَصْحَابَهُ، فَإِنْ لَمْ يَعْرِفُوا أَصْحَابَهُ اقْتَسَمُوهُ.
قَالَ: وَقَالَ مَالِكٌ: كُلُّ مَالٍ يُعْرَفُ لِأَهْلِ الْإِسْلَامِ وَإِنْ غَابَ صَاحِبُهُ عَنْهُ، فَإِنَّهُ لَا يُبَاعُ فِي الْمَقَاسِمِ إذَا عُرِفَ صَاحِبُهُ وَإِذَا لَمْ يُعْرَفْ قُسِّمَ.
قُلْت: أَرَأَيْت مَا أَحْرَزَ الْمُشْرِكُونَ إلَى بِلَادِهِمْ مِنْ عُرُوضِ أَهْلِ الْإِسْلَامِ ثُمَّ غَنِمَهُ الْمُسْلِمُونَ فَصَارَ فِي سُهْمَانِ رَجُلٍ، أَيَكُونُ هَذَا الرَّجُلُ أَوْلَى بِهِ بِالثَّمَنِ أَمْ لَا فِي قَوْلِ مَالِكٍ؟ وَكَيْفَ بِمَا أَحْرَزُوا مِنْ أَمْوَالِ أَهْلِ الذِّمَّةِ، أَهُمْ وَأَهْلُ الْإِسْلَامِ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ سَوَاءٌ؟ وَكَيْفَ إنْ أَحْرَزُوا إحْرَازًا مِنْ أَهْلِ الذِّمَّةِ فَأَسْلَمُوا عَلَى الدَّارِ وَأَهْلُ الذِّمَّةِ فِي أَيْدِيهِمْ أَيَكُونُونَ رَقِيقًا لَهُمْ أَمْ يُرَدُّونَ إلَى ذِمَّتِهِمْ وَلَا يَكُونُونَ رَقِيقًا كُلَّهُمْ فِي قَوْلِ مَالِكٍ؟
قَالَ: قَالَ مَالِكٌ فِي الذِّمِّيِّ إذَا سَبَاهُ أَهْلُ الْحَرْبِ ثُمَّ غَنِمَهُ الْمُسْلِمُونَ: إنَّهُ لَا يَكُونُ فَيْئًا، فَأَرَى إنْ هُمْ أَسْلَمُوا عَلَى الدَّارِ وَفِي أَيْدِيهِمْ نَاسٌ مِنْ أَهْلِ الذِّمَّةِ أَسَارَى، أَنَّهُمْ يَكُونُونَ رَقِيقًا وَلَا لَهُمْ أَنْ يُرَدُّوا إلَى ذِمَّتِهِمْ، وَإِنَّمَا أَهْلُ ذِمَّتِنَا كَعَبِيدِنَا إذَا هُمْ أَسْلَمُوا عَلَيْهَا.
قَالَ: وَأَمَّا مَا ذَكَرْت لَك مِنْ أَمْوَالِ أَهْلِ الذِّمَّةِ فَهُمْ فِي ذَلِكَ وَأَهْلُ الْإِسْلَامِ سَوَاءٌ إنْ أَدْرَكُوا أَمْوَالَهُمْ قَبْلَ أَنْ تُقَسَّمَ كَانُوا أَوْلَى بِهَا بِغَيْرِ شَيْءٍ، وَإِنْ أَدْرَكُوهَا بَعْدَ الْقِسْمَةِ أَخَذُوهَا بِالثَّمَنِ، قُلْت: فَإِنْ عَرَفَ أَهْلُ الْإِسْلَامِ أَنَّهَا أَمْوَالُ أَهْلِ الذِّمَّةِ، لَمْ يَقْسِمُوهَا فِي الْغَنِيمَةِ وَيَرُدُّونَهَا إلَيْهِمْ إذَا عَرَفُوهُمْ؟
قَالَ: نَعَمْ.
قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَهَذَا قَوْلُ مَالِكٍ.
قَالَ: وَأَمَّا مَا ذَكَرْت مِنْ أَمْوَالِ أَهْل الْإِسْلَامِ، فَقَدْ أَخْبَرْتُك بِمَا قَالَ فِيهِ مَالِكٌ إنَّهُ قَالَ: إنْ أَدْرَكَهُ قَبْلَ الْقَسْمِ أَخَذَهُ بِغَيْرِ ثَمَنٍ، وَإِنْ أَدْرَكَهُ بَعْدَمَا قُسِّمَ كَانَ أَوْلَى بِهِ بِالثَّمَنِ، فَإِنْ عَرَفَ أَنَّهُ مَالٌ لِأَهْلِ الْإِسْلَامِ رَدَّهُ إلَى أَهْلِهِ وَلَمْ يَقْسِمُوهُ إنْ عَرَفُوا أَهْلَهُ، وَإِنْ لَمْ يَعْرِفُوا أَهْلَهُ فَلْيَقْسِمُوهُ وَأَمْوَالُ أَهْلِ الذِّمَّةِ مِثْلُهُ.
ابْنُ وَهْبٍ، عَنْ مُسْلِمِ بْنِ عَدِيٍّ عَنْ زَيْدِ بْنِ وَاقِدٍ عَنْ مَكْحُولٍ، أَنَّهُ قَالَ فِي رَجُلٍ مِنْ أَهْلِ الذِّمَّةِ أَصَابَهُ الْعَدُوُّ، وَمَالَهُ أَحْرَزُوهُ ثُمَّ أَصَابَهُ الْمُسْلِمُونَ بَعْدَ ذَلِكَ: أَنَّهُ يُرَدُّ إلَى ذِمَّتِهِ وَأَهْلِهِ وَمَالِهِ.
ابْنُ وَهْبٍ عَنْ مَسْلَمَةَ بْنِ عَدِيٍّ عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ عَمَّنْ حَدَّثَهُ عَنْ سِمَاكِ بْنِ حَرْبٍ عَنْ تَمِيمِ بْنِ طَرَفَةَ الطَّائِيِّ قَالَ: أَصَابَ الْمُسْلِمُونَ نَاقَةً لِرَجُلٍ مِنْ الْمُسْلِمِينَ اشْتَرَاهَا بَعْضُهُمْ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِصَاحِبِهَا: «أَنْتَ أَحَقُّ بِهَا بِالثَّمَنِ».
مَسْلَمَةَ بْنِ عَدِيٍّ عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ مَيْسَرَةَ عَنْ طَاوُسٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: وَجَدَ رَجُلٌ مِنْ الْمُسْلِمِينَ بَعِيرًا لَهُ فِي الْمَغَانِمِ، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إنْ وَجَدْتَهُ فِي الْمَغْنَمِ فَخُذْهُ وَإِنْ وَجَدْتَهُ قَدْ قُسِّمَ فَأَنْتَ أَحَقُّ بِهِ بِالثَّمَنِ إنْ أَرْدَتْهُ».
قُلْت: أَرَأَيْت إنْ عَرَفُوا أَنَّهُ مَالٌ لِلْمُسْلِمِينَ وَلَمْ يَعْرِفُوا مَنْ أَهْلُهُ، أَيَقْسِمُونَهُ فِي الْمَغَانِمِ أَمْ يَكُونُ لِجَمَاعَةِ الْمُسْلِمِينَ، وَهَلْ سَمِعْت مِنْ مَالِكٍ فِي هَذَا شَيْئًا؟ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: بَلَغَنِي عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ قَالَ: إنْ عَرَفُوا أَهْلَهُ رَدُّوهُ إلَى أَهْلِهِ، وَإِنْ لَمْ يَعْرِفُوا أَهْلَهُ قُسِّمَ بَيْنَهُمْ فَأَمْوَالُ أَهْلِ الذِّمَّةِ مِثْلُهُ.
ابْنُ وَهْبٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ وَغَيْرِهِ عَنْ نَافِعٍ: أَنَّ فَرَسًا وَغُلَامًا لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَخَذَهَا الْعَدُوُّ فَأَخَذَهُمَا الْمُسْلِمُونَ فَرَدُّوهُمَا إلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ وَلَمْ يَكُونَا قُسِّمَا.
ابْنُ وَهْبٍ، وَأَخْبَرَنِي ابْنُ لَهِيعَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُوسَى أَنَّ رَجَاءَ بْنَ حَيْوَةَ حَدَّثَهُ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ كَتَبَ إلَى أَبِي عُبَيْدَةَ بْنِ الْجَرَّاحِ أَوْ مُعَاوِيَةَ بْنِ أَبِي سُفْيَانَ يَقُولُ: مَا أَحْرَزَ الْعَدُوُّ مِنْ أُصُولِ الْمُسْلِمِينَ ثُمَّ غَنِمَهَا الْمُسْلِمُونَ مِنْ الْعَدُوِّ، فَمَا اعْتَرَفَهُ الْمُسْلِمُونَ مِنْ أَمْوَالِهِمْ قَبْلَ أَنْ يُقَسَّمَ فَهُوَ مَرْدُودٌ إلَيْهِمْ.
قَالَ ابْنُ وَهْبٍ: وَأَخْبَرَنِي ابْنُ لَهِيعَةَ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي جَعْفَرٍ عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ مِثْلَهُ.
ابْنُ وَهْبٍ، عَنْ ابْنِ لَهِيعَةَ عَنْ بُكَيْرِ بْنِ الْأَشَجِّ وَابْنِ أَبِي عِمْرَانَ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ مِثْلَهُ.
ابْنُ وَهْبٍ عَنْ رِجَالٍ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ عَنْ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ وَعُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ وَيَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ وَرَبِيعَةَ بْنِ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَنَّهُمْ كَانُوا يَقُولُونَ مِثْلَ ذَلِكَ.
ابْنُ وَهْبٍ عَنْ إسْمَاعِيلَ بْنِ عَيَّاشٍ عَنْ الْحَسَنِ عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ مَيْسَرَةَ عَنْ طَاوُسٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: وَجَدَ رَجُلٌ مِنْ الْمُسْلِمِينَ بَعِيرًا لَهُ فِي الْمَغَانِمِ قَدْ كَانَ أَصَابَهُ الْمُشْرِكُونَ، فَأَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَذَكَرَ ذَلِكَ لَهُ فَقَالَ: «إنْ وَجَدْتَهُ فِي الْمَغَانِمِ فَخُذْهُ وَإِنْ وَجَدْتَهُ قَدْ قُسِّمَ فَأَنْتَ أَحَقُّ بِهِ بِالثَّمَنِ إنْ أَرْدَتْهُ».
قُلْت لِابْنِ الْقَاسِمِ: أَرَأَيْت الْعَبْدَ إذَا أَبِقَ إلَيْهِمْ أَوْ أَسَرُوهُ أَهُوَ سَوَاءٌ عِنْدَ مَالِكٍ؟
قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: هُوَ سَوَاءٌ، قُلْت: فَإِنْ أَدْرَكَهُمَا أَدْرَكَ هَذَا الَّذِي أَبِقَ أَوْ هَذَا الَّذِي أَسَرَهُ أَهْلُ الْحَرْبِ بَعْدَمَا قُسِّمَا فِي الْغَنِيمَةِ لَمْ يَأْخُذْهُمَا إلَّا بِالثَّمَنِ؟
قَالَ: نَعَمْ.
قُلْت: أَرَأَيْت لَوْ أَنَّ رَجُلًا أَبِقَ مِنْهُ عَبْدُهُ أَوْ لَيْسَ يُؤْمَرُ مَنْ أَخَذَهُ أَنْ يَرُدَّهُ عَلَى سَيِّدِهِ فِي قَوْلِ مَالِكٍ؟
قَالَ: نَعَمْ، قُلْت: فَمَا بَالُ هَذَا الَّذِي أَبِقَ إلَى دَارِ الْحَرْبِ لِمَ لَا يُؤْمَرُ مَنْ صَارَ الْعَبْدُ فِي يَدَيْهِ أَنْ يَرُدَّهُ إلَى سَيِّدِهِ؟
قَالَ: هَذَا حِينَ أَبِقَ إلَى دَارِ الْحَرْبِ قَدْ أَحْرَزُوهُ.
قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: بَلَغَنِي عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ قَالَ: مَا أَحْرَزَ أَهْلُ الشِّرْكِ مِنْ أَمْوَالِ أَهْلِ الْإِسْلَامِ فَأَتَوْا بِهِ لِيَبِيعُوهُ.
قَالَ مَالِكٌ: لَا أُحِبُّ لِأَحَدٍ أَنْ يَشْتَرِيَهُ مِنْهُمْ.
قُلْت: أَرَأَيْتَ إنْ أَحْرَزَ أَهْلُ الشِّرْكِ جَارِيَةً لِرَجُلٍ مِنْ الْمُسْلِمِينَ فَغَنِمَهَا الْمُسْلِمُونَ.
فَصَارَتْ فِي سُهْمَانِ رَجُلٍ فَأَعْتَقَهَا أَوْ اتَّخَذَهَا أُمَّ وَلَدٍ؟ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: تَمْضِي عَلَى عِتْقِهَا وَتَكُونُ أُمَّ وَلَدٍ لِمَنْ وَلَدَتْ مِنْهُ فَلَا تُرَدُّ عَلَى صَاحِبِهَا الْأَوَّلِ، قُلْت: أَرَأَيْتَ إنْ صَارَتْ فِي سُهْمَانِ رَجُلٍ مِنْ الْمُسْلِمِينَ فَعَلِمَ أَنَّهَا لِرَجُلٍ مِنْ الْمُسْلِمِينَ أَيَحِلُّ لَهُ أَنْ يَطَأَهَا فِي قَوْلِ مَالِكٍ؟
قَالَ: لَا وَلَمْ أَسْمَعْ مِنْ مَالِكٍ فِيهِ شَيْئًا، وَلَكِنِّي سَمِعْتُهُ يَسْأَلُ عَنْ الرَّجُلِ يُصِيبُ الْجَارِيَةَ أَوْ الْغُلَامَ فِي الْمَغْنَمِ ثُمَّ يَعْلَمُ بَعْدَ ذَلِكَ أَنَّهُ لِرَجُلٍ مِنْ الْمُسْلِمِينَ؟
قَالَ: إنْ عَلِمَ فَلْيَرُدَّهُ إلَيْهِ، يُرِيدُ بِقَوْلِهِ هَذَا يَعْرِضُهُ عَلَيْهِ حَتَّى يَأْخُذَهُ أَوْ يَتْرُكَهُ، فَهَذَا يَدُلُّك عَلَى أَنَّهُ لَا يَطَؤُهَا.
قُلْت: أَرَأَيْتَ إنْ اشْتَرَاهَا رَجُلٌ مِنْ الْعَدُوِّ الَّذِينَ أَحْرَزُوهَا أَيَحِلُّ لَهُ أَنْ يَطَأَهَا؟
قَالَ: إنْ عَلِمَ أَنَّهَا لِلْمُسْلِمِينَ فَلَا أُحِبُّ لَهُ أَنْ يَطَأَهَا فِي بِلَادِ الْحَرْبِ اشْتَرَاهَا أَوْ فِي بِلَادِ الْإِسْلَامِ.